فصل: (سورة إبراهيم: آية 5)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من مجازات القرآن في السورة الكريمة:

.قال ابن المثنى:

سورة إبراهيم:
{الر} [1] ساكن لأنه جرى مجرى فواتح سائر السور اللواتى مجازهن مجاز حروف التهجي، ومجاز موضعه في المعنى كمجاز ابتداء فواتح سائر السّور.
{كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ} مجازه مستأنف أو مختصر فيه ضمير كقولك:
هذا كتاب أنزلناه إليك، وفى آية أخرى: {الم ذلِكَ الْكِتابُ} [1-2] وفى غيرها ما قد أظهر.
{يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ} [3] يختارون.
{وَيَبْغُونَها عِوَجًا} [3] يلتمسون، ويحتالون لها عوجا، مكسور الأول مفتوح الثاني وذلك في الدّين وغيره، وفى الأرض مما لم يكن قائما وفى الحائط وفى الرمح وفى السنّ عوج وهو مفتوح الحروف.
{يَسُومُونَكُمْ} [6] أي يولونكم ويبلونكم.
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} [7] مجازه: وآذنكم ربكم، و: {إذ} من حروف الزوائد، وتأذن تفعل من قولهم: أذنته.
{فردّوا أيديهم في أفواههم} [9] مجازه مجاز المثل، وموضعه موضع كفّوا عما أمروا بقوله من الحق ولم يؤمنوا به ولم يسلموا، ويقال: ردّ يده في فمه، أي أمسك إذا لم يجب.
{فاطِرِ} [10] أي خالق.
{لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [10] مجازه: ليغفر لكم ذنوبكم، و: {من} من حروف الزوائد، وفى آية أخرى: {فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ} (69/ 47) مجازه: ما منكم أحد، وقال أبو ذؤيب:
جزيتك ضعف الحبّ لما شكوته ** وما إن جزاك الضّعف من أحد قبلى

أي أحد قبلى.
{أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا} (13) أي في ديننا وأهل ملتنا.
{خافَ مَقامِي} (14) مجازه: حيث أقيمه بين يدى للحساب.
{وَاسْتَفْتَحُوا} (15) مجازه: واستنصروا.
عنود و: {عَنِيدٍ} (15) وعاند كلها، واحد والمعنى جائر عاند عن الحق، قال:
إذا نزلت فاجعلانى وسطا ** إنى كبير لا أطيق العنّدا

{مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ} (16) مجازه: قدامه وأمامه، يقال إن الموت من ورائك أي قدامك، وقال:
أتوعدني وراء بنى رياح كذبت ** لتقصرنّ يداك دونى

أي قدام بنى رياح وأمامهم، وهم دونى أي بينى وبينك، وقال:
أترجو بنى مروان سمعى وطاعتى ** وقومى تميم والفلاة ورائيا

وقال: {مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ} (16) والصديد القيح والدّم.
{مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ} (18) مجازه: مثل أعمال الذين كفروا بربهم كمثل رماد، وتصديق ذلك من آية أخرى: {أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} (32/ 7) مجازه: أحسن خلق كل شئ، وقال حميد بن ثور الهلاليّ:
وطعنى إليك الليل حضنيه إنّني ** لتلك إذا هاب الهدان فعول

أراد: وطعنى حضنى الليل إليك أول الليل وآخره، وإذا ثنّوه كان أكثر في كلامهم وأبين، قال:
كأن هندا ثناياها وبهجتها ** يوم التقينا على أدحال دبّاب

أراد: كأن ثنايا هند وبهجتها يوم التقينا على أدحال دبّاب.
{اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ} (18) يقال: قد عصف يومنا وذاك إذا اشتدّت الريح فيه، والعرب تفعل ذلك إذا كان في ظرف صفة لغيره، وجعلوا الصفة له أيضا، كقوله:
لقد لمتنا يا أم غيلان في السّرى ** ونمت وما ليل المطىّ بنائم

ويقال: يوم ماطر، وليلة ماطرة، وإنما المطر فيه وفيها.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ} (19) ألم تعلم، ليس رؤية عين.
{إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} (20) جميع تابع، خرج مخرج غائب والجميع غيب.
{ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ} (22) أي بمغيثكم، ويقال: استصرخنى فأصرخته، أي استعاننى فأعنته واستغاثني فأغثته.
{تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ} (25) أي تخرج تمرتها، والحين هاهنا ستة أشهر أو نحو ذلك.
{اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ} (26) أي استؤصلت، [يقال اجتث اللّه دابرهم، أي أصلهم.]
{دارَ الْبَوارِ} (28) أي الهلاك والفناء ويقال بار ببور، ومنه قول عبد اللّه بن الزّبعرى:
يا رسول المليك إن لسانى ** راتق ما فتقت إذ أنا بور

البور والبوار واحد.
{وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدادًا} (30) أي أضدادا، واحدهم ندّ ونديد، قال رؤبة:
تهدى رؤوس المترفين الأنداد ** إلى أمير المؤمنين الممتاد

{لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ} (31) مجازه: مبايعة فدية،: {وَلا خِلالٌ}:
أي مخالّة خليل، وله موضع آخر أيضا تجعلها جميع خلّة بمنزلة جلّة والجميع جلال وقلّة والجميع قلال، وقال:
فيخبره مكان النّون منى ** وما أعطيته عرق الخلال

أي المخالّة.
{الْفُلْكَ} (32) واحد وجميع وهو السفينة والسفن.
{الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ} (33) والشمس أثنى والقمر ذكر فإذا جمعا ذكّر صفتهما لأنّ صفة المذكر تغلب صفة المؤنث.
{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ} (35): جنبت الرجل الأمر، وهو يجنب أخاه الشرّ وجنّبته واحد، وقال:
وتنقض مهده شفقا عليه ** وتجنبه قلائصنا الصعابا

وشدّده ذو الرّمة فقال:
وشعر قد أرقت له غريب ** أجنّبه المساند والمحالا

{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} (40) مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقوله: واجعل من ذرّيتّى من يقيم الصلاة.
{مُهْطِعِينَ} (43) أي مسرعين، قال الشاعر:
بمهطع سرح كأنّ زمامه في ** رأس جذع من أول مشذّب

وقال:
بمستهطع رسل كأنّ جديله ** بقيدوم رعن من صؤام ممنّع

الرّسل الذي لا يكلّفك شيئا، بقيدوم: قدّام، رعن الجبل أنفه، صؤام: جبل، قال يزيد بن مفرّغ الحميرىّ:
بدجلة دارهم ولقد أراهم ** بدجلة مهطعين إلى السّماع

{مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ} (43) مجازه: رافعى رؤوسهم، قال الشّمّاخ بن ضرار:
يباكرن العضاه بمقنعات ** نواجذهن كالحدأ الوقيع

أي برؤوس مرفوعات إلى العضاه ليتناولن منه والعضاه: كل شجرة ذات شوك نواجذهن أضراسهن وقال: الحدأ الفأس وأراه: الذي ليس له خلف، وجماعها حدأ، وحدأة الطير، الوقيع أي المرقّقة المحدّدة، يقال وقّع حديدتك، والمطرقة يقال لها ميقعة، وقال:
أنفض نحوى رأسه وأقنعا ** كأنّما أبصر شيئا أطمعا

{وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ} (43) أي جوف، ولا عقول لهم، قال حسّان بن ثابت:
ألا أبلغ أبا سفيان عنى ** فأنت مجوّف نخب هواء

وقال:
ولا تك من أخدان كل يراعة ** هواء كسقب البان جوف مكاسرة

اليراعة القصبة، واليراعة هذه الدواب الهمج بين البعوض والذبّان، واليراعة النعامة. قال الراعىّ:
جاؤا بصكّهم وأحدب أخرجت ** منه السياط يراعة إجفيلا

أي يذهب فزعا، كسقب البان عمود البيت الطويل.
{وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ} (46) أي ما كان مكرهم لتزول منه الجبال، في قول من كسر لام: {لتزول} الأولى ونصب اللام الآخرة ومن فتح اللام الأولى ورفع اللام الآخرة فإن مجازه مجاز المثل كأنه قال: وإن كان مكرهم تزول منه الجبال في المثل وعند من لم يؤمن.
{مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ} (49) أي في الأغلال، وواحدها صفد والصّفد في موضع آخر: العطاء وقال الأعشى:
تضيفته يوما فقرّب مقعدى ** وأصفدنى على الزّمانة قائدا

وبعضهم يقول: صفدنى.
{سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ} (50) أي قمصهم، وواحدها سربال. اهـ.

.قال الشريف الرضي:

ومن السورة التي يذكر فيها إبراهيم عليه السلام:

.[سورة إبراهيم: آية 5]

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)}
قوله سبحانه: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [5] وهذه استعارة. والمراد بها- واللّه أعلم- التذكير بأيام نقم اللّه التي أوقعها بالماضين، كعاد وثمود ومن جرى مجراهم: وهذا كقولنا: أيام العرب. وإنما تريد به الأيام التي كانت فيها الوقائع المشهورة والملاحم العظيمة. وقد يجوز أن يكون الأيام هاهنا عبارة عن أيام النعم، كما قلنا إنها عبارة عن أيام النقم. فيكون المعنى: فذكّرهم بالأيام التي أنعم اللّه فيها عليهم وعلى الماضين من آبائهم بوقم الأعداء، وكشف اللأواء، وإسباغ النعماء. ألا ترى أن أيام العرب التي هي عبارة عن الوقائع يكون فيها لبعضهم الظهور على بعض، فذلك من النعم، وعلى بعضهم السّوء والدائرة، وتلك من النقم؟ فالأيام إذن تذكرة لمن أراد التذكرة بالإنعام والانتقام.

.[سورة إبراهيم: آية 9]

{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)}
وقوله سبحانه: {جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ} [9] وهذه استعارة، على وجه واحد من وجوه التأويلات التي حملت عليها هذه الآية. وذلك أن يكون المعنى ما ذهب إليه بعضهم من أن الأيدى هاهنا عبارة عن حجج الرسل عليهم السلام، والبينات التي جاءوا بها قومهم، وأكّدوا بها شرعهم. لأن بذلك يتم لهم السلطان عليهم والتدبير لهم، وقد سمّوا السلطان يدا في كثير من المواضع، فقالوا: ما لفلان على فلان يد، أي سلطان. ويقولون: قد زالت يد فلان الأمير. إذا عزل عن ولايته، بمعنى زال سلطانه عن رعيته. ويقولون: أخذت هذا الأمر باليد. أي بالسلطان. فالحجج التي جاء بها الأنبياء أممهم قد تسمى أيديا على ما ذكرناه، فلما وصف الكفار على هذا التأويل بأنهم ردّوا أيدى الأنبياء- عليهم السلام- في أفواههم، كان المراد بذلك ردّ حججهم من حيث جاءت، وطريق مجيئها أفواههم فكأنهم ردّوا عليهم أقوالهم، وكذّبوا دعواهم.
وفى هذا التأويل بعد وتعسّف، إلا أننا ذكرناه لحاجتنا إليه، لما ذهبنا مذهب من حمل قوله سبحانه: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ} على الاستعارة لا على الحقيقة.
فإذا حملت الآية على حقيقة الأيدى التي هي الجوارح كان المراد بها مختلفا يه.
فمن العلماء من قال: المراد بذلك أنهم كانوا يعضّون أناملهم تغيظا على الرسل عليهم السلام، كما يفعل المغيظ المحنق، والواجم المفكر.
وقال بعضهم: المراد بذلك أن المشركين أو مأوا إلى أفواه الأنبياء، بالتسكيت لهم، والقطع لكلامهم.
وقال بعضهم: بل المراد بذلك ضرب من الهزء يفعله المجّان والسفهاء، إذا أرادوا الاستهزاء ببعض الناس، وقصدوا الوضع منه، والإزراء عليه. فيجعلون أصابعهم في أفواههم ويتبعون هذا الفعل بأصوات تشبهه وتجانسه، يستدل بها على قصد السخف، وتعمد الفحش. وهذا عندى بعيد من السداد، وغيره من الأقوال أولى منه بالاعتماد.
وقد يجوز أيضا أن يكون المراد بذلك أن الكفار كانوا إذا بدأ عليهم الرسل بالكلام سدّوا بأيديهم أسماعهم دفعة، وأفواههم دفعة، إظهارا منهم لقلة الرغبة في سماع كلامهم وجواب مقالهم، ليدلّوهم- بهذا الفعل- على أنهم لا يصغون لهم إلى مقال، ولا يجيبونهم عن سؤال، إذ قد أبهموا طريقى السماع والجواب، وهما الآذان والأفواه. وشاهد ذلك قوله سبحانه حاكيا عن نوح عليه السلام يعنى قومه: {وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبارًا} فيكون معنى رد أيديهم في أفواههم على القول الذي قلنا أن يمسكوا أفواههم بأكفهم، كما يفعل المظهر الامتناع من الكلام. ويكون إنما ذكر تعالى ردّ الأيدى هاهنا- وهو يفيد فعل الشيء ثانيا بعد أن فعل أولا- لأنهم كانوا يكثرون هذا الفعل عند كلام الرسل عليهم السلام.
فوصفوا في هذه الآية بما قد سبق لهم مثله، وألف منهم فعله، فحسن ذكر الأيدى بالرد على الوجه الذي أومأنا إليه. وأيضا فقد يقول القائل لغيره: اردد إليك يدك. بمعنى اقبضها وكفها. لا يريد غير ذلك.